في وقت تشهد فيه البلاد أزمة حقيقة تتمثل في تفشي فيروس covid19 الذي يستوجب لمواجهته عديد الأليات والمخططات وتسخير كل القطاعات التي من شأنها تخفيف وطئة هذه الجائحة. لكن الإستثمار في الأزمات كان خيارا لحكومة الفخفاخ، و ذلك بتمرير القرارات اللاوطنية و اللاشعبية التي ما انفكت تحاصر لقمة عيش الفئات الاجتماعية الهشة في جميع المجالات و أخرها قطاع المياه. فمن جهة, تتخذ السلط اجراءات تدبرية وقائية تتمثل في تأجيل استخلاص معلوم استهلاك المياه ومن جهة, أخرى يقوم وزير الفلاحة بزيادة في سعر الماء الصالح للشرب !
يدحض هذا الرسم البياني تبريرات الحكومة، إن وجدت أصلا، التي تسعى حسب قولها للحدّ من التبذير و محاولة تغطية كلفة إنتاج المياه و غيرها من المصطلحات، و كونها لم تستهدف إلّا كبار المستهلكين و المبذّرين من المشتركين بالشبكة. حيث تعاملت بمنطق الغنيمة مع شريحة تمثّل 70 % من مجموع المشتركين يالشبكة (الإستهلاك لا يتجاوز 70 م3 في الثلاثية)، و يوضّح كذلك مدى تضرّر المواطن من حيث المبلغ الإضافي الملزم بدفعه بعد الزيادة الأخيرة.
يأتي هذا الخيار استجابة لإملاءات الجهات المانحة للقروض وعلى رأسها البنك الدّولي و المؤسسة الألمانية للقروض من أجل اعادة الاعمار لتمويل برنامج دعم الاصلاح في قطاع المياه وذلك بتاريخ 25 سبتمبر 2017. ان الزيادة في سعر الماء الصالح للشرب يُبرز جليا مرة أخرى سياسة الدولة في التعاطي مع القطاع والاصرار على اعتباره مجرد سلعة للاستهلاك مقابل تجاهل والتغاضي عن الجانب الاجتماعي له من شأنه أن يبرز نية الدولة في الاعتماد على استراتيجية لاوطنية تتمظهر في اكساب قطاع المياه الطابع الربحي ليكون ذا أرضية ملائمة للاستثمار الخاص الذي يجعل المواطن في كفة الاذعان مع أصحاب رؤوس الأموال. هذه الخيارات هي امتداد لما وقع الاتفاق علية سابقا صلب مشروع مجلة المياه التي تكرس سبل خصخصة قطاع المياه من توسيع في مجال أصحاب اللازمة للذوات المعنوية الخاصة وتحرير للخدمات المائية وكذلك تأمين توزيع الماء الصالح للشرب من قبل الخواص.
كل هذه المؤشرات تسوقنا الى حتمية التساؤل حول سيادة الدولة على الموارد المائية ومنه كيف يمكننا اليوم الحديث عن مقتضيات الفصل 44 من الدستور الذي يضمن الحق في الماء في ظل وجود املاءات خارجية تؤمن ثروات الشعب التونسي؟
كذلك أي مرتبة تحظى بها القرارات والقوانين التونسي ضمن المجتمع الدولي أمام ترسانة الاملاءات الخارجية التي اثقلت كاهل السيادة الوطنية؟
ان الاجابة عن هذه التسؤلات تقتضي منهجا علميا في كيفية التعامل معها وخلق استراتيجية وطنية تحمل روئ وخيارات تراعي خصوصية البلاد وما تحتويه من موارد مائية متاحة والعمل على استثمارها بطريقة مثمرة مع ضمان حق الفئات الهشة وحقوق الاجيال القادمة كما يجب أن يتداخل في ذلك الدور الاجتماعي للدولة باعتبارها الجهة التي تسهر على ضمان الحق في الماء واخراج هذا القطاع من دائرة التجاذبات السياسية واناطة الدور الى هيكل مستقل يتعامل بصفة أفقية مع جميع المجالات المتداخلة في القطاع المذكور.